تجلس أربعة أشخاص على طاولة واحدة، يتربع شايهم بينهم كجلسة استثنائية. تتلاعب أناملهم بجهاز تحكم مضطرب ينتقل بينهم كأمور لم تُحسم بعد. ينطلق ضحكهم بسبب مشهد تلفزيوني، لكن قوة صوت الأب تعلو من الغرفة المجاورة بكل طبيعيّة: "ما عندكم مخ؟ لا تتخيلوا ولا تفهموا؟!"
إجابتهم الصامتة تكشف عن فهمهم العميق للموقف: الفرح محظور ما لم يصدر بختم الأب.
تمضي الأيام...
دون أن يدركوا أن بعض الأباء يرسخون طوابع القسوة في أبنائهم، ثم يتذمرون من إخفاقهم في نقشهم بوضوح!
في محاولة جادة لتعزيز الروح وإصلاح العلاقات، كانت الأم تتدخل بصوتٍ هادئ، لكن هدوء صوتها لا يقوى على منافسة تهديدات الطرد. كانوا يعلمون أن ترتيب المنزل يعكس ترتيب الأفكار. الأكبر يستمتع بامتيازاته كشبيه للأب، بينما يعتبر الأصغر مظلومًا بسبب شبهه بطيبة أمه. وأما أنا... فكنت حياديًا بشكل ملحوظ، مما جعلني هدفًا سهلًا لمواجهة الجميع.
تبدلت الأحوال مع مرور الزمن وبدايات رحلتي. جمعت خبرات من الغربة تزيدني دفءًا، تعلمت شراء وردة وقبول الاعتذار والتحدث بأسلوب لطيف دون انقطاع. وعند عودتي، فاجأني والدي بنظراتٍ مدهشة، وتلميحاتٍ دافئة، فسألني بدهشة مكتومة: "ما الذي حدث لك ولماذا تبدو مختلفًا؟"
فأجبته بشجاعة وأنا أنظر إلى أعينه التي لم تعتد على التحديق: "لا شيء جديد أبي... إنما قلبي بدأ يشفى من الجروح الناشئة عن القسوة التي عانيتها، وأصبح قادرًا على الحب كما تمنيت أن تحبني".
صاح أخي الأصغر: "أبي، أرغب في دراسة الفنون!"
فرد والدي بغضب: "إن قررت دراسة الفنون، سأرسم لك طرقا على جسدك بحقارة!"، إلا أنه انخرط في دراسة الطب حسب أمله، وأصبح طبيبًا نفسيًا... يشفي الجروح التي خلفها تربية صارمة، ويضفي على قلوب تعودت على القمع قليلاً من الدفء والرفق!